السؤال.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد فإني أحبك في الله يا فضيلة الشيخ " أحمد مجيد الهنداوي ".
وجزاك الله كل خير لما وفقني به على يدك من الخير ..
فكنت قد أرسلت لكم استشارة وهذا رقمها ( 275502 ) وجزاك الله خيرا على ردك على استشارتي
وأريد أن أستشيركم في هذا الأمر.
فلقد كان حلمي أن أكون داعيا للإسلام في بلاد الغرب.
وقد تبلور هذا الحلم وازداد بشكل كبير بعد أن تعرفت على هذه الفتاة وخاصة أن أباها يعمل في إنجلترا وهو يملك الجنسية البريطانية، ولقد علمت أنها تملك إقامة في تلك البلاد.
وأصبح هذا الهدف شغلي الشاغل حيث وضعته هدفا أمامي أسعى من خلاله إلى رضى الله وخاصة بعد أن وجدت فيها نفس الهدف والإصرار على الدعوة إلى الإسلام هناك.
وقد شجعني على هذا الأمر حديث رسول الله بأن هذا الدين سوف ينتشر، وأن الظروف التي تمر بالمسلمين اليوم ربما لا تساعد على انتشار الإسلام بالغزوات والفتوحات ولكن ربما ينتشر بالدعوة إلى الله...
وأريد أن أستشيركم كيف يمكنني تقوية نفسي في هذا المجال أي في الدعوة إلى الله وفي الردود على شبهات النصارى؟
وهل يمكن أن تدلوني على كتب أو مقالات تبحث في هذا المجال؟
وقد علمت أنه يوجد مؤسسات تقوم بتعليم الدعاة كيفية الرد على الشبهات وتقويتهم في مجال الدعوة وتوجيههم إلى مكاتب لهم في الخارج.
وأيضا أريد أن أسألكم كيف يمكنني أن آخذ بأسباب السفر من الآن وأنا ما زلت طالبا وقد بقي لي بضعة شهور للتخرج.
وذلك من أجل أن أسافر بأسرع وقت ممكن بعد التخرج، ولا سيما أنني إن لم أسافر بعد التخرج فيجب علي أن أذهب للخدمة العسكرية لمدة سنتين؟
وهل حكم السفر إلى تلك البلاد جائز أم لا؟ وهل يمكنني أن أستفيد من كونها تملك إقامة في تلك البلاد؟
أما السؤال الثاني: فأريد أن أسأل فضيلتكم عن تزوج الشاب بفتاة في نفس عمره فالبعض يقول لي بأنني لن أشعر بالفرق الآن.
وإنما سوف أشعر به بعد عشر سنوات وقد تواجهنا مشاكل بسبب هذا الأمر، فهل هذا صحيح، علماً بأن هذه الفتاة صاحبة خلق ودين والكل يشهد بذلك؟
أرجو أن تفيدوني بخبرتكم، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنك قد أتعبت أنفسنا بهذه الكلمات الكريمة التي هي من حسن أدبك، وكرم أخلاقك، فكما أنك تحبنا في الله - عز وجل – فنحن كذلك نقول لك: أحبك الله الذي أحببتنا له.
ونسأل الله – عز وجل – أن يجعلنا ممن قال فيهم - صلوات الله وسلامه عليه -: (وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في) أخرجه مالك في الموطأ.
وأيضاً ممن قال فيهم - صلوات الله وسلامه عليه -: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) أخرجه مسلم في صحيحه، ونسأل الله – عز وجل – أن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأيضا – يا أخي – فقد كبرت في أعيننا في موقفك الكريم الذي أشرت إليه في رسالتك السابقة.
والتي أخذت فيها بالتمسك بطاعة الرحمن من غض البصر، ومن محاربة هوى النفس، والأخذ بطاعة الله – عز وجل – وها أنت أيضاً تقر أعيننا في هذه الرسالة بهذه العزيمة الكريمة على طاعة الله - عز وجل – بل على الدعوة إليه، وإصلاح النفس، وإصلاح الناس.
فهنيئاً لك قول الله – جل وعلا -: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}، فتأمل كيف أنه وصفهم - جل وعلا – بأنهم يمسكون بالكتاب، أي أنهم شديدوا التمسك بكتابه - جل وعلا – وأقاموا الصلاة، فهم حريصون على العمل الصالح، والذي أعظمه هذه الصلوات المفروضة.
ثم قال - جل وعلا – إنا لا نضيع أجر المصلحين، فهم يصلحون أنفسهم، ويصلحون غيرهم، ولذلك كانوا أحباء الله، وكانوا من المعظمين عنده، وهذا مما يعينك أعظم الإعانة على الاستمرار في أمر الدعوة إلى الله - جل وعلا – ونشر دينه العظيم، فإنك بذلك تخرج الناس - بإذن الله عز وجل – من الظلمات إلى النور.
وهذه هي رسالة الأنبياء، واتباع الأنبياء – عليهم جمعياً صلوات الله وسلامه – كما قال - جل وعلا -: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، ثم بين - جل وعلا – كيفية هذا الإخراج وعلى أي طريق يكون، فقال - جل وعلا -: {رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
فهذه هي الخطوة العظيمة، وهي أن تكون متبعاً لنبيك - صلوات الله وسلامه عليه – وهي أول وأعظم وصية لك لتكون داعية إلى الله - عز وجل - فكن متبعاً كتاب الله، متبعاً هدي هذا النبي الأمين - صلوات الله وسلامه عليه – في دعوتك إلى الناس.
فعليك بأن تنهل من هديه، وسيرته الكاملة - صلوات الله وسلامه عليه – فإنه هو إمام الدعاة كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، فيا – يا أخي - فإنه ينبغي لك أن تكون محصلاً من كل علم ثمرة حتى تكون داعياً إلى ربك – جل وعلا – على هذه البصيرة التي امتدحها - عز وجل –
وهذا يحتاج منك إلى علم بأصول العقيدة الإسلامية، وإلمام بشيء من إصلاح عباداتك، وكيفية عرضها العرض السليم عند الحاجة إلى ذلك، عدا معرفة القواعد التي بني عليها الإسلام، والتي هي الأصول الخمسة التي يبنى عليها هذا الدين العظيم.
ولا نقصد بها أركان الإسلام المعروفة، بل المقصود هو: الأركان الخمسة التي يقوم عليها أساس دين الإنسان على وجه العموم، والتي يجمعها العقائد، والعبادات، والمعاملات.
والعقوبات، والآداب، وهذا قد شرحنا شيئاً يسيراً منه في غير هذا الجواب، فالمقصود هو: أن تكون صاحب بصيرة في طاعة الله - عز وجل – وأن تنظر في المؤلفات التي وضعت في أخلاق الدعاة، وفيما ينبغي أن يتصفوا فيه من العلم والعمل.
وأما ما أشرت إليه من أمر الرد على شبهات النصارى فهذا أمر حسن، ولكن أيضاً قبل ذلك لابد من تثبيت العلم النافع في نفسك، حتى تستطيع بعد ذلك الرد على شبهات الكفرة الضالين، وما أكثرها من شبهات، وهي التي لا يستجيب لها إلا من طمس الله على بصيرته.
كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}، أي يضل عنه من أُضِل، فمادة الضلال في نفسه، كما قال تعالى في آية أخرى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
وبالنسبة للغة الإنجليزية خاصة فإنه يوجد في قسم اللغات من الشبكة الإسلامية قدراً صالحاً نافعاً في هذا الباب، ويتضمن أيضاً كثيراً من الأمور التي تسأل عنها للرد على شبهات النصارى، فيمكنك الاستفادة منه.
خاصة وأنه قد عرض بطريقة بحثية توصلك إلى مقصودك، عدا سائر البحوث الأخرى التي تعرض الإسلام، وتعرف به، فيمكنك الاستفادة من هذا الباب فائدة عظيمة - بإذن الله عز وجل – هذا مع كونه أمراً ميسوراً يمكنك أن تحصل منه.
وأن تنتقي الأهم فالأهم من ذلك، ولا ريب أن في التعاون مع المراكز والجمعيات الإسلامية المأمونة المعروفة بالخير والفضل أمراً حسنا، فإنك بذلك تجعل عملك عملاً جماعياً يوصل إلى المقصود بأقرب السبل وأحسنها.
عدا أنك ستستفيد من خبراتهم، وتوجيههم، وفي بريطانيا كثير من المراكز الإسلامية المعروفة التي يقوم عليها أخوة أفاضل لهم باع في الدعوة إلى الله - جل وعلا – وخاصة في تلك المجتمعات التي تحتاج إلى خبرة في التعامل معها.
فنسأل الله أن يزيدك من فضله، وأن يبارك لك في هذا السعي الكريم، وأن يكتب أجرك فيه.
وأما عن إشارتك إلى أن هذه الفتاة لها هذا الهم في الدعوة إلى الله فهذا فضل على فضل، فإن من كرم الله – جل وعلا – أن يجمع بين زوجين صالحين يكون همهما الدعوة إلى الله - جل وعلا – وبذل الخير للناس، فما أعظمه من خير وفضل أن تكونا زوجين صالحين مجتمعين على طاعة الرحمن تدعون إلى الله، وتنشرون هدي النبي - صلى الله عليه وسلم-.
وأما عن إشارتك إلى كيفية الأخذ بأسباب السفر منذ هذه اللحظة فهذا يتطلب منك تهيئة من جهة أهلك ليكونوا على استعداد للتقدم لخطبة هذه الفتاة، فإنه لا يحسن بك أن تسافر إليها وأنت غير متهيئ من الناحية المادة.
ومن الناحية الأسرية كذلك، ولا يحسن بك – يا أخي – أن تقيم في بلد كهذه البلاد دون أن تحصن نفسك من الحرام.
ودون أن تكون لك الزوجة الصالحة، فينبغي إذن أن تهيئ هذا الأمر مع أهلك ثم تهيئ الناحية المادية المطلوبة لهذا حتى إذا تم وقت خروجك، خرجت في أقرب وقت لتحصل مقصودك بأيسر الأمور، وأيضاً حتى لا تتعرض لأي تعطيل أو عرقلة قد يجلبها لك ذلك.
وأما عن سؤالك هل يجوز السفر إلى تلك البلاد أم لا؟ فقد تقدمت الإشارة إلى ذلك وهي أن تسافر ولكن مع وجود تحصين لنفسك من الناحية الشرعية العلمية، ومن ناحية دفع الفتن عن نفسك بالزواج، وهذا هو مقصدك – بإذن الله عز وجل - بحيث يتم زواجك من هذه الفتاة الكريمة، ويحصل المقصود، فيجتمع لك - بإذن الله عز وجل – كل هذه المصالح التي أشرنا إليها.
وأما عن سؤالك هل يمكنك الحصول على الإقامة بالزواج بها فالظاهر نعم أنه يمكنك ذلك، لأنها مقيمة في تلك البلاد، خاصة وأن أباها يحمل جنسية تلك البلاد كما قد أشرت في كلامك الكريم، فهذا يعين على تحصيل إقامتك هناك - بإذن الله عز وجل – ومنِّه وكرمه.
وأما عن إشارتك إلى أنها في سنك، وخشيتك من أن يؤثر هذا في المستقبل، فخير مثالٍ لك في هذا هو ما كان بين نبيك الأمين - صلوات الله وسلامه عليه – وبين خديجة، فقد كانت أكبر منه كما هو معلوم بسنوات عديدة، ومع هذا كانت أحب أزواجه إليه - صلوات الله وسلامه عليه – ورضي الله عنها.
وكانت له كالأم في حنانها، وكالبنت في طاعتها، وكالأخت في شفقتها، وكانت الزوجة الحبيبة التي تقر عينه - صلوات الله وسلامه عليه – بل إن هذا السن لا تأثير له - بحمد الله عز وجل – فلا التفات إلى هذه المعاني التي يشار إليها، والتي قد يشوش بها كثير من الناس.
وإنما الأمر راجع إلى تقديرك، ونظرتك، فمتى وجد التفاهم والحب بين الزوجين فإن الأمور تنتظم لكم تمام الانتظام - بإذن الله عز وجل – وقد قال نبيك الأمين - صلوات الله وسلامه عليه -: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)، فنسأل الله - عز وجل – أن يجعلكما زوجين صالحين.
وأن يمنَّ عليكم بالتوفيق والسداد، وأهلاً وسهلاً بك ومرحباً بكل رسالة تصلنا منك إلى الشبكة الإسلامية، هذا مع سرورنا بدوام تواصلك معها، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحب ويرضى.
وبالله التوفيق.
الكاتب: أ/ الهنداوي
المصدر: موقع إسلام ويب